لعل من أكثر الأسئلة شيوعاً عن البرمجة اللغوية العصبية هو هذا السؤال البسيط: ما هي البرمجة اللغوية العصبية؟ بالنظر إلى الإجابات الشائعة، نرى البعض يلجأ لعرض بعض خصائصها، كأن يقول: هي “فن نمذجة التميز”، أو بصورتها، مثل: “هي نمط سلوكي يتبعه مجموعة من التقنيات”، أو حتى بشكل أكثر “علمية” ببيان نسبتها لغيرها، مثل: “هي مدرسة نفسية سلوكية معرفية”. والحقيقة أن كل هذه الإجابات غير مفيدة، فهي لا تبين شيئاً عن حقيقة البرمجة اللغوية العصبية، وتترك السائل حائراً عاجزاً عن تصور ذلك المسمى الذي طالما سمع اسمه كثيراً: البرمجة اللغوية العصبية
بل لنا أن نقول: إن شيئاً مما سبق لم يُجب عن السؤال أصلاً. وهذا له سبب وجيه، وهو أنه يتعذر استمداد تصور المدارس النفسية بشكل عام من جواب من نصف سطر أو سطر واحد أو حتى فقرة كاملة. فإن كلًّا من تلك المدارس له جوانب عدة ومستويات متباينة لا ينشأ التصور إلا ببيانها، وقد يتطلب هذا البيان الكثير والكثير من التفصيل، وهو ما يوقع السائل في المزيد من الحيرة فيرجع بِخُفَّي حنين
بل يزيد الطين بلّة ندرة التأسيس المنظم والموحد للبرمجة اللغوية العصبية، وهو ما يسبب اختلاطاً كبيراً على الباحثين في تحديد ما هو “من البرمجة اللغوية العصبية” وما “ليس منها” كما ذكر جامعو موسوعة علم النفس الإكلينيكي (Cautin and Lilienfeld, 2015)
فلهذا ستتخطى هذه المقالة كلًّا من الخلفية التاريخية للبرمجة اللغوية العصبية والتعريفات الشائعة (القاصرة) والتأسيس العلمي البرهاني لها، وتتخذ مقاربة وصفية بنيوية تساعد على بناء تصور كلي صحيح، مع اجتناب الغوص العميق في تفاصيل لا تخدم هذا الغرض، أو يتطلب شرحها مقدمات قد لا تكون في متنناول القارئ غير المتخصص
البناء المعرفي للمدارس النفسية
بشكل عام، يمكن النظر للمدارس النفسية بنيوياً من خلال ثلاثة مستويات:
- النظريات والفرضيات
- النماذج
- الأدوات والتطبيقات
النظريات والفرضيات
تمثل النظرية أو الفرضية مقدمة أو قاعدة تحدد الأطر العامة للمدرسة، وقد تساعد على تفسير ظاهرة أو التنبؤ بها أو التحكم فيها، على اختلاف معروف بين المدارس في تحديد معنى وحدود النظرية والفرق بينها وبين الفرضية
- نظرية فرويد عن الشخصية (Freud, 1923)
- نظرية جان بياجيه عن التطور المعرفي (Piaget, 1952)
- نظرية التعلم الاجتماعي لألبرت باندورا (Bandura and Walters, 1977)
النماذج
النموذج هو طرح يبين العلاقة بين متغيرين أو أكثر. في الحديث عن المدارس النفسية هناك عدد من المتغيرات المشتركة والعديد من النماذج المبينة للعلاقة بينها. فمن أمثلة تلك المتغيرات:
- الحواس
- الأفكار
- المشاعر
- السلوكيات
- الاهتمامات
- الاعتقادات والقناعات
- البيئة المحيطة
- وظائف الأعضاء
- الإشارات العصبية
- الوقت
وقائمة الأمثلة طويلة. فهنا يؤسس الباحث لنموذج افتراضي يبين العلاقة بين المتغيرات المختلفة. فمثلاً
- نموذج مراتب الاحتياجات لإبراهام مازلو، يصف العلاقة بين تحقق احتياجات الإنسان المختلفة بمراتبها وبين الدافعية (Maslow, 1943)
- نموذج التكيف الكلاسيكي لإيفان بافلوف، يصف العلاقة بين التعرض المتكرر للمؤثر الخارجي والاستجابة الداخلية (Pavlov, 1927)
- نموذج فرويد للشخصية (الأنا-الأنا العليا-الهوية)، ويصف العلاقة بين جوانب ثلاثة من “الشخصية” وعلاقة الصراع بينها باضطرابات النفس، والحيل الدفاعية المختلفة (Freud, 1923)
الأدوات والتطبيقات
خلافاً لعلم النفس النظري الذي يطلب تأسيس مفاهيم مجردة فيقف عند حدود المستويين السابقين، فإن معظم مدارس علم النفس تهدف في النهاية لتحقيق نتيجة واقعية في جانب من جوانب الإنسان؛ مشاعره، أو أفكاره، أو سلوكياته، أو أدائه، أو غير ذلك. فهنا يسلك المختصّون مسلك التطبيق من خلال أدوات غالباً ما تكون محددة بخطوات أو ضوابط يسهل تكرارها بنتائج متوقعة بدرجة مقبولة تطبيقياً
فمثلاً، من أدوات العلاج السلوكي: العلاج بالتعرض، حيث يقوم المعالج بتعريض العميل تدريجياً لباعث الاستجابة الرهابية بغرض تقليل التأثر به. ومن الأدوات المستخدمة في العديد من المدارس كمدرسة العلاج السلوكي المعرفي: الأسئلة السقراطية، والتي تهدف إلى إعادة بناء الإدراك بشكل أكثر مناسبة للواقع، وغير ذلك
التأسيس المعرفي لمدرسة البرمجة اللغوية العصبية
استناداً لما تقدم، يحتاج تأسيس البرمجة اللغوية العصبية معرفياً إلى التفصيل في مستوياتها، بياناً لموضع كل لَبِنة من لبناتها
نظريات وفرضيات البرمجة اللغوية العصبية
تقوم البرمجة اللغوية العصبية على مجموعة من النظريات والفرضيات. فعلى سبيل المثال:
- العقل، والجسد، والمشاعر، نظام متكامل، يؤثر كل من عناصره في الآخرين
خلافاً للثنائية الديكارتية الشهيرة التي تفصل فصلاً فلسفياً عنصريًّا بين العقل والجسد (res extensa et res cogitans)، فإن البرمجة اللغوية العصبية تقوم على النظرة السايبرناتية (النظامية) المتكاملة للإنسان، باعتبار تأثير عناصره مجتمعة في النظام (الإنسان)، وليس تسبب عامل معين في حصول أثر معين مطرد بمعزل عن غيره كما غلط بعض النقاد (Perry, 1996) - الجهاز العصبي للإنسان يستجيب للخريطة (التصور الذهني) وليس للواقع الخارجي مباشرة
والمقصود بهذا أن الجهاز العصبي يستجيب للتصورات من حيث هي وسيط بين الحواس واستجابة الجهاز العصبي الذاتي، سواء من خلال المواقعة، أو الذكريات أو الأوهام/التخيلات (Agnati et al., 2013) (Cohut, 2018) (Mulukom, 218AD) (Mizuno-Matsumoto et al., 2020)، فمن خلال توظيف أدوات إدارة التصورات يمكن التأثير في الاستجابة الذاتية - الخريطة (التصور الذهني) ليست هي الواقع
يرجع هذا التعبير لألفريد كورزيبسكي (Korzybski, 1933)، حيث استعمل تعبير “الخريطة ليست هي الأرض” تعبيراً عن كون التصورات الذهنية انعكاسات للواقع الخارجي، وليست هي الواقع ذاته. والمعنى مطروق باستفاضة في الفلسفة القديمة من لدن أفلاطون والحديثة، وفي علم النفس، والعلوم العصبية، وغيرها، ولكن تكمن أهمية تعبير كورزيبسكي في الإشارة إلى أمرين رئيسيين:- أن التصورات تقودنا في الواقع، فبحسب “جودة” تلك التصورات تكون استجاباتنا
- أن الخريطة باعتبارها “تمثيلاً” للواقع قد يقع فيها النقص، أو الزيادة، أو التشويه، وهو ما قد يؤول إلى استجابات غير صحية
- التجربة الإنسانية لها بنية (Structure) ومحتوى (Content). بشكل عام، البنية أعظم أثراً في التجربة من المحتوى
تؤسس هذه الفرضية لأهمية النظر في كيفية صوغ التجربة الذاتية عن النظر في محتواها. “فالشفرة” المستخدمة لتكوين تصور التجربة تمثل إطاراً يحكم المعنى وبالتالي الأثر - يتطلب استخراج نموذج التجربة الإنسانية البدء من التجربة الحسيّة، ثم ما وراءها
في أي سياق، بحثيًّا كان أو علاجيًّا أو تطويريًّا أو غير ذلك، يحتاج بناء نموذج التجربة التي يمر بها الإنسان إلى البدء من المستوى الحسِّي، متمثلاً في الصورة الذهنية الأولية (كما سيتضح لاحقاً)، ثم ما وراءها من مستويات المعاني أو الحالات.
وهناك بعض الفرضيات المضمرة التي لا تجدها منصوصاً عليها في أدبيات البرمجة اللغوية العصبية، ولكنها مقدمات مطوية في ثناياها. فعلى سبيل المثال:
- كل شخص منفرد بتجربته مهما اتفقت مع غيره؛ إذا بلغت الدرجة المطلوبة من التفصيل
بين جميع الناس قدر مشترك، وبين تجاربهم التي تبدو متماثلة عناصر مشتركة، لكن هناك أيضاً قدْرٌ فارق قد يكون هو الأهم. وكما يقول المثل الأمريكي: “الشيطان في التفاصيل”. فعند تفصيل التجربة الذاتية لذوي الأوصاف المتفقة نجد فروقاً قد تكون مؤثرة بل قد تكون تفصيلة واحدة دقيقة هي العنصر الأعظم أثراً في التجربة كلها، سواء أكانت تجربة سلبية مرغوباً في التخلص منها أو إيجابيةً مرغوباً في الاستفادة منها واستثمارها - لا توجد تجربة معزولة عن إطار ما، هذا الإطار هو ما يعطيها المعنى وبالتالي النتيجة
- أنقى المعلومات يمكن الحصول عليها في حالة “اللامعرفة التامة”، أي إسقاط جميع الافتراضات المسبقة والقوالب المفروضة عن الشخص، والملاحظة والاستماع بدون حكم أو تصنيف لأجل بناء تصور صحيح
النماذج
تتميز نماذج البرمجة اللغوية العصبية بأنها نماذج نظامية وليست سببية، فبيانها للعلاقات بين المتغيرات المختلفة في النظام المنمذج علاقة تأثير وتأثر متغيرين وليست سببية جامدة كمعادلات الرياضيات. من أمثلة هذه النماذج
نموذج التواصل
هذا النموذج هو الأساس في البرمجة اللغوية العصبية الذي يتفرع عنه معظم النماذج الأخرى، وهو نموذج كُليٌّ يصف الإنسان من حيث هو نظام داخل نظام، فيصف العلاقة بين نظام الإنسان متمثلاً في العقل-جسد بمتغيراته، والنظام الخارجي الذي يحتويه وهو العالم من حوله متمثلاً في الأحداث التي تقع حوله من خلال حلقتين: حلقة التغذية الراجعة (مدخلات النظام الخارجي إلى الإنسان عن طريق الحواس) وحلقة التغذية المُقَدَّمة (مخرجات النظام الداخلي من خلال السلوك/الاستجابة)، مع توصيف العلاقة النظامية بين عناصر النظام الداخلي (الصورة الذهنية، الحالة، الفيزيولوجيا) ، والعملية المُفرزة لمُخرَجاتِه
نموذج التمثيل (Representation Model)
يتفرع هذا النموذج عن نموذج التواصل في البرمجة اللغوية العصبية، ليصف تفصيلاً عملية التمثيل الداخلي وصناعة الصورة الذهنية متمثلاً في تمثيلات الحواس الخمس (السمع، والبصر، والحس، والتذوق، والشم) بالإضافة إلى السمعي الرقمي (الكلمات/حديث النفس) وخصائصها. وقد أضاف بعض الباحثين عنصراً سابعاً وهو البصري الرقمي (الرموز البصرية، الإيموجيز، إلخ) (Bolstad, 1998)، باعتبار جميع ذلك “لغة العقل” (ومن هنا عنصر “اللغة” في عنوان البرمجة اللغوية العصبية)، وعلاقته بالحالة تأثُّراً وتأثيراً
النموذج الماورائي للُّغة (The Meta-Model of Language)
وهو من أوائل نماذج البرمجة اللغوية العصبية وأهمها، ويصف العلاقة بين الواقع والخريطة (الصورة الذهنية)، وكيفية تصحيحها من خلال إصلاح التشوهات المعرفية التي تصيب الخريطة (التعميم، والتشويه، والحذف بأنواعها) بما تؤدي إليه من خلل في الحالة، والفيزيولوجيا، وبالتالي في الاستجابة والسلوك (Hall, 2021)
نموذج الاستراتيجيات
وهو من أوائل النماذج التي طورتها البرمجة، ويصف بنية العادات والسلوكيات المتكررة من خلال سلسلة متعاقبة من الأنظمة التمثيلية التي تعمل تلقائيًّا للوصول لنتيجة معينة. يُستعمل هذا النموذج في عملية استخراج استراتيجيات المتميزين لنقلها، كما في مشروع نمذجة رُماة الجيش الأمريكي الذي قام به د. عبد الحكيم وودسمول وزملاؤه، والذي وُصف بأنه “أول تَقدُّم قيِّم في تدريبات الرماية منذ الحرب العالمية الأولى” (Woodsmall, 1988)
نموذج البرامج الماورائية (Meta-Programs)
يؤسس هذا النموذج “للحالات المستقرة” كأطر تحكم استقبالنا للمعلومات، وتصورنا لها، واستجاباتنا، مُلحقاً به أدوات متعددة لاستخراج وتعديل تلك الأطر. يقدم هذا النموذج بديلاً لمفهوم “أنماط الشخصية” الشائع في الأدبيات النفسية التقليدية، وكذا مفهوم الطباع/الأمزجة. مع ملاحظة أن هذا نموذج بنيوي وليس تفسيريًّا، أي أنه يصف بنية الأطر لا سبب نشأتها، حيث لا يتطرق بالضرورة إلى جدلية الطبع في مقابل التنشئة الشهيرة (Nature vs. Nurture Controversy) وإن كان فيه إشارة ضمنية لغلبة جانب التنشئة (Hall and Bodenhamer, 2006) (Charvet, 2019)
نموذج الحالات العميقة “الماورائية” (Meta-States)
أضاف د. مايكل هول (Hall, 1997) (Hall, 2013) هذا النموذج إلى البرمجة اللغوية العصبية. يصف نموذج الحالات العميقة تعدد مراتب الحالات (States Multi-ordinality)، والعلاقة بين الحالات الأولية (Primary States)، والحالات الماورائية (Meta-States)، والحالة الكلية المتحصلة عنهم جميعاً (Gestalt State)
تكمن قوة هذا النموذج في أنه يعطي تصوراً كليًّا شموليًّا عن حالة الإنسان، وتوظيفه في إدارتها، واستخلاصها (نمذجتها) وإعادة توظيفها بحسب الحاجة، وهو ما انبنى عليه مئات الأدوات التطبيقية (Hall, 2017)
الأدوات
تمثل أدوات البرمجة اللغوية العصبية حصيلة ثرية للتأسيس السابق في النظريات والفرضيات والأطر. فتذكر بعض المراجع بضعاً وسبعين أداة (Hall, 2003)، بل جمع بعض الباحثين فوق الثلاثمئة أداة (Vaknin, 2022). فمن الأدوات المشهورة
تقنية الفصل البصري-الحسي (علاج الفوبيا السريع)
وهو من أشهر أدوات البرمجة اللغوية العصبية والمبحوثة علمياً باستفاضة (Arroll et al., 2017)، (Karunaratne, 2010)، (Zaharia et al., 2015)، وتطبيقاته متنوعة في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، وتقليل الاستجابات العنيفة للمؤثرات الخارجية (الأطعمة، الروائح، الأصوات،…)، الميزوفونيا، وغيرها. يقوم من خلال تجربة ذهنية بفصل الاستجابة الشعورية عن المؤثر الخارجي عن طريق توظيف خصائص الأنظمة التمثيلية والتأطير المضمر
تقنية سويش
وهي كذلك من الأدوات واسعة الشهرة المستخدمة في تغيير العادات، وتعتمد -كذلك- على تجربة ذهنية سريعة تقوم بإعادة توجيه الذهن بعيداً عن السلوك المرغوب في التخلص من خلال إعادة بناء استراتيجيات جديدة، ونتائجه مع التكرار جيدة إلى ممتازة
إعادة التأطير
وهي مجموعة من الأدوات المحددة المستخدمة لإعادة صياغة التجربة على مستوى البنية، معتمدة على أن أثر التجربة هو حصيلة تصور التجربة والأطر المحيطة به، فمن خلال تغيير الأطر يمكن تغيير الأثر (Bandler and Grinder, 1982) (Dilts, 1999) (Hall and Bodenhamer, 2002)
أدوات أخرى متنوعة
- إدارة الحالات: بناؤها، تغييرها، كسرها، رفعها، خفضها، تأطيرها، ربطها، كسر الروابط
- بناء الألفة
- صناعة الأهداف سليمة الصياغة
- تحقيق الانسجام الذاتي
- مُوَلِّد السلوك الجديد
- تقنية علاج الحساسية
- استراتيجية ديزني لتوليد الأفكار الإبداعية
وكما تقدم، فهناك مئات الأدوات المتفاوتة في استخداماتها ومدى عموميتها
معاقِد تَفرُّد البرمجة اللغوية العصبية
التفصيل
إن عناية البرمجة اللغوية العصبية بالتفاصيل، سواء على مستوى النظريات، أو النماذج، أو الأدوات، يعدُّ غير مسبوق وغير مقارَن به في المدارس النفسية الأخرى. فإن بناء التجربة من مستوى جزئيات الأنماط الحسية مروراً بالمحتوى ثم إلى الأطر الكلية الحاكمة تحكمه العديد والعديد من التفاصيل الدقيقة، فيعتني ممارس البرمجة اللغوية العصبية (في أي سياق) بملاحظة ودراسة تلك التفاصيل حتى يخرج بالخلاصة المطلوبة
الذاتية
تصب البرمجة اللغوية العصبية تركيزها على التجربة الذاتية للإنسان من حيث هي، بدلاً من محاولة “تشخيصه” وتنميطه وقولبته بشكل يجرف غالباً عن التصور الصحيح لتجربته.
الاهتمام بالفروق
وهو نتيجة حتمية لشدة العناية بالتفاصيل والإعراض عن القولبة، فإن من الأسئلة دائمة الفاعلية في ذهن ممارس البرمجة اللغوية العصبية: “ما هو الفرق لدى هذا الشخص الذي يُحدث فرقاً في التجربة؟”، أو كما يقول جريجوري بيتسون: “إن الوحدة الأساسية للمعلومة هي الفرق الذي يُحدث فرقاً” (Bateson, 2015)
البنيوية
من أهم مميزات البرمجة اتكاؤها في الأساس على “بنية التجربة” وليس على “المحتوى”، فالسؤال المركزي الذي تدور حوله نماذجها وبالتالي أدواتها التطبيقية هو “كيف” وليس “لماذا”، وهو ما يختصر طريقاً طويلاً إلى صناعة النموذج وتعديله. من الأمثلة الواضحة لهذه الميزة علاج الفوبيا السريع، حيث وضع بنية واضحة للتجربة الرهابية أيًّا ما كان موضوعها أو سياقها أو مسببها أو تاريخها، فبتعديل تلك البنية مباشرة تنتهي الإشكالية
النظامية
خلافاً لعامة المدارس النفسية، فالبرمجة اللغوية العصبية تنظر للعلاقة “النظامية” بين المتغيرات وليست السببية المباشرة. فجميع نماذج البرمجة تنظر إلى حاصل التفاعل بين العناصر وليس لتأثير العنصر المنفرد في غيره، وهو ما يكسب الممارس نمطاً مرناً من التفكير ويخرجه من أسر القوالب الجامدة وإشكالات العلاقات الحديّة التي تضعها النماذج التقليدية للمدارس النفسية الأخرى التي تقيد نفسها بعلاقات الارتباط أو السببية المباشرة بين متغيرين (أو أكثر)
اتساع مساحة التطبيقات
ففضلاً عن الاستفادة المباشرة من مفاهيمها وأدواتها، فإن دراسة البرمجة اللغوية العصبية ضرورة معرفية لإتقان الكوتشينج، والعلاج النفسي، وغيرهما، وذلك لانفرادها عن عامة مدارس علم النفس بمستوى عميق من المهارات المعرفية لا تكاد تجده مجتمعاً في غيرها
أسئلة شائعة
ماذا تعني البرمجة اللغوية العصبية؟
البرمجة اللغوية العصبية هي مدرسة نفسية تهدف لتطوير أداء الإنسان من خلال مجموعة من النماذج والأدوات سهلة التطبيق. تقوم البرمجة اللغوية العصبية على مبدأ التأثير المتبادل بين الأفكار والمشاعر والسلوك، وتطويع هذا التأثير لأغراض مختلفة
ما هي فوائد البرمجة اللغوية العصبية؟
تساعد مفاهيم ونماذج وأدوات البرمجة اللغوية العصبية في إدارة أفضل للنفس وتطوير الأداء الشخصي ومساعدة الغير على ذلك، من خلال مجموعة من الأدوات والمفاهيم التي يسهل على غير المتخصصين في علم النفس ممارستها
ما حكم الشرع في البرمجة اللغوية العصبية؟
البرمجة اللغوية العصبية مدرسة نفسية مثلها مثل العلاج السلوكي المعرفي والمدرسة الإيجابية وغيرها. هذه المدارس جميعها يمكن تطبيقها بشكل محرم أو بشكل مباح، فالعبرة بالتطبيق لا بالمدرسة نفسها. فهي من باب الوسائل التي تأخذ أحكام المقاصد. أما دورات البرمجة اللغوية العصبية فقد تخالف المدرسة نفسها وتضيف أموراً تغير الحكم الشرعي، لهذا يتغير الحكم بحسب الدورة وممارسات المدربين وما يضيفونها إليها من أمور قد تكون خارجة عن البرمجة اللغوية العصبية ذاتها
كيف يمكنني تعلم البرمجة اللغوية العصبية؟
يحتاج تعلم البرمجة اللغوية العصبية إلى حضور دورة تدريبية تطبيقية تجمع بين التأسيس العلمي والتدريب العملي التطبيقي تحت إشراف مدرب متخصص، وذلك لكي يكتسب المتدرب المهارة بشكل مؤسس علمياً وليس مجرد معلومات نظرية. لهذا لا يمكن تعلم البرمجة اللغوية العصبية بفاعلية وكفاءة من الكتب
خاتمة
عَرَضت هذه المقالة نظرة بنيوية للبرمجة اللغوية العصبية بغرض تسليط بعض الضوء عليها. وتبقى الإشارة إلى أن البحث النظري المجرد في مجال بهذا التعقيد قليل القيمة وعسير الضبط، خصوصاً بالأدوات البحثية المعروفة حالياً. لهذا فإن الأفضل دائماً الشروع في الممارسة والتطبيق من خلال التدريب الإشرافي عالي الجودة (وليست الدورات التجارية التي يغلب عليها الترفيه)
في حالة اهتمامك بالتدرب معنا على البرمجة اللغوية العصبية (في ورشة عمل أو أونلاين) اترك بياناتك وسيتواصل معك أحد خبرائنا بجميع المعلومات اللازمة عن دوراتنا عالية الجودة.
مراجع
- Agnati, L.F., Guidolin, D., Battistin, L., Pagnoni, G. and Fuxe, K., (2013) The Neurobiology of Imagination: Possible Role of Interaction-Dominant Dynamics and Default Mode Network. Frontiers in Psychology, 4, p.296.
- Arroll, B., Henwood, S.M., Sundram, F.I., Kingsford, D.W., Mount, V., Humm, S.P., Wallace, H.B. and Pillai, A., (2017) A brief treatment for fear of heights: A randomized controlled trial of a novel imaginal intervention. The International Journal of Psychiatry in Medicine, 521, pp.21–33.
- Bandler, R. and Grinder, J., (1982) Reframing: Neuro-Linguistic Programming and the Transformation of Meaning. First Edition first Printing ed. Moab, Utah: Real People Press.
- Bandura, A. and Walters, R.H., (1977) Social learning theory. Englewood cliffs Prentice Hall.
- Bateson, G., (2015) Form, substance and difference. ETC.: A Review of General Semantics, 721, p.90+.
- Bolstad, R., (1998) Visual Digital: Modality Of The Future? Transformations. Available at: https://transformations.org.nz/visual-digital/ [Accessed 4 Oct. 2022].
- Cautin, R.L. and Lilienfeld, S.O. eds., (2015) The Encyclopedia of Clinical Psychology. 1st edition ed. Chichester, West Sussex ; Malden, MA: Wiley-Blackwell.
- Charvet, S.R., (2019) Words That Change Minds: The 14 Patterns for Mastering the Language of Influence. 3rd edition ed. Institute for Influence.
- Cohut, M., (2018) How your imagination can help you overcome your fears. [online] Medical News Today. Available at: https://www.medicalnewstoday.com/articles/323975 [Accessed 11 Apr. 2022].
- Dilts, R., (1999) Sleight of Mouth. paperback edition ed. Meta Publications.
- Freud, S., (1923) The Ego And The id. TACD Journal, 171, pp.5–22.
- Hall, L.M., (1997) Nlp: Going Meta: NLP Advanced Modeling Using Meta-Levels. Grand Jct., CO: Neuro-Semantic Publications.
- Hall, M., (2003) The Sourcebook of Magic Second Edition: A Comprehensive Guide to NLP Change Patterns. 2nd ed. Crown House Publishing.
- Hall, L.M., (2017) Sourcebook of Magic Vol. II. NSP.
- Hall, L.M. and Bodenhamer, B.G., (2006) Figuring Out People: Reading People Using Meta-Programs. Clifton, CO: Crown House Publishing.
- Hall, L.M., (2013) Meta-States. 3rd ed. NSP.
- Hall, L.M., (2021) The New Meta-Model. NSP.
- Karunaratne, M., (2010) Neuro-linguistic programming and application in treatment of phobias. Complementary Therapies in Clinical Practice, 164, pp.203–207.
- Maslow, A., (1943) A theory of human motivation. Psychological Review, 504, pp.370–396.
- Mizuno-Matsumoto, Y., Inoguchi, Y., Carpels, S.M.A., Muramatsu, A. and Yamamoto, Y., (2020) Cerebral cortex and autonomic nervous system responses during emotional memory processing. PLOS ONE, 153, p.e0229890.
- Korzybski, A., (1933) Science and Sanity: An Introduction to Non-Aristotelian Systems and General Semantics. 5th edition ed. Brooklyn, N.Y: Institute of General Semantics.
- Mulukom, V. van, (218AD) How imagination can help people overcome fear and anxiety. [online] The Conversation. Available at: http://theconversation.com/how-imagination-can-help-people-overcome-fear-and-anxiety-108209.
- Pavlov, P.I., (1927) Conditioned reflexes: An investigation of the physiological activity of the cerebral cortex. Annals of Neurosciences, 173, pp.136–141.
- Perry, A., (1996) NLP Counter Example Allergy Cure. Positive Health, 12.
- Piaget, J., (1952) Jean Piaget. In: A History of Psychology in Autobiography, Vol IV. Worcester, MA, US: Clark University Press, pp.237–256.
- Rijk, L. de, Gray, R. and Bourke, F. eds., (2022) Neurolinguistic Programming in Clinical Settings. 1st edition ed. Routledge.
- Tosey, P. and Mathison, J., (2010) Neuro‐linguistic programming as an innovation in education and teaching. Innovations in Education and Teaching International, 47, pp.317–326.
- Vaknin, S., (2022) The Big Book of NLP, Expanded: 350+ Techniques, Patterns & Strategies of Neuro Linguistic Programming (Nlp Neuro Linguistic Programming). 12th ed. Inner Patch Publishing.
- Wake, L., Gray, R. and Bourke, F. eds., (2013) The Clinical Effectiveness of Neurolinguistic Programming: A Critical Appraisal. 1st edition ed. Routledge.
- Woodsmall, W., (1988) Results of Advanced Behavioral Modeling in the Fedral Government. In: The Science of Advanced Behavioral Modeling. p.14.
- Zaharia, C., Reiner, M. and Schütz, P., (2015) Evidence-based Neuro Linguistic Psychotherapy: a meta-analysis. Psychiatria Danubina, 274, pp.355–363.